لا يمكنك أن تمزج التعصب بالسلام كما لا يمكنك أن تمزج الماء بالزيت. فالتعصب جحيم
يحيط به المتعصب نفسه أولا ويرمي بنفسه في مستنقع التعصب مع المتعصبين مثله، وإذا
بدى له تعصب أحد أفراد طائفته قد بهت أو انحرف استنجد بجدار جحيمه الخاص لحماية
تعصبه الذي اصطبغ به.
والسلام رأي وإرادة يعارضان التعصب ويقاومان جميع أشكاله إن
كان دينيا، عرقيا أو لغويا، هو جنة تلون جميع أشكال الاختلاف ويضعها في قوالب بديعة
تكمل بعضها البعض في انسجام تام وبدون تصادم، ذلك بعد أن نَعِي تماما أن التعصب
لفكرة أو دين أو عرق لا يمكن إلا أن يولد ويديم صراعا حول أشياء لا يمكن أن يتغير
تاريخها المادي، صراع سيدخل أصحابه في دائرة مفرغة، لا يغني أحدا ولا يمنح أي طرف
من الأطراف المتصارعة أي إضافة.
وهو رهين بالحرية، هي شرطه وسببه، فردوس بدون
جدران ممتد نعيمه بدون حدود لا يحتاج من يريد دخوله جوازا أو تأشيرة، يعيش به من
اختاره طواعية وبكامل حريته شرط احترام حرية الآخرين واختياراتهم، فكلما احترمنا
حرية بعضنا البعض واعترفنا بكون الاختلاف لا يفسد تكاملنا زاد السلام بيننا وتوطدت
أواصر الأخوة والانسجام.
فالسلام هنا ليس سمفونية يرافقها رجل السياسة بخطاب طويل
عريض مظهرا إيمانه بالحرية والأخوة والمساوات ومعبرا عن مدى احترام الدستور
للأقليات في بلده بابتسامة عريضة في الوجه ويد حديدية في الخلف جاهزة للضرب على أساس
أن القوة هي التي تفرض السلام إن حاولت هذه الأقلية التعبير عن رفضها للميز وسوء
المعاملة الذي يصل إلى القتل لأتفه الأسباب. فلا يمكن للأقليات أن تستشعر السلام في
الخطاب السياسي ما لم تلمسه في جميع مناحي الحياة المختلفة، كما لا يمكن أن تفرض
سلاما على مقاس مصالح الأغلبية دون اعتبار مصالح الأقليات، فالسلام في هذه الحالة
يعني الخضوع والسكون سواء كان سكون الأحياء المستسلمين أو سكون المقابر.
تعليقات
إرسال تعليق