القائمة الرئيسية

الصفحات

pub-3714699381183573

"روتيني اليومي" دعارة عن بعد تتصدر "الطوندونس" المغربي.

pub-3714699381183573




    تعتبر الدعارة من أقدم المهن عبر تاريخ البشرية الطويل، وفي كل الحضارات المتعاقبة والدول والأمم بمختلف أديانها، وجدت الدعارة ودورها (بضم الدال) ومرتاديها، شيدت المواخير وقرعت الكؤوس نخب اللحم الطري، ومع تطور الفكر البشري تطورت ممارسات الدعارة وسبل تسويقها وبما أننا نعيش عصر تكنولوجيا المعلومات والأنترنت، جعلت هذه الأخيرة لنفسها مكانا داخل هذا الفضاء الرقمي. ومن منطلق كل ما لا يخضع للتطور محكوم عليه بالزوال والإنقراض أضحى ما يعرف بالروتين اليومي الصيغة الجديدة المرقمنة  للدعارة  عن بعد بعيدا عن أعين المراقبة والمنع إلى حين.   
      لا يخفى على أحد، عدد المشاهدات التي تحققها الفيديوهات ذات الصلة وعدد مرات المشاركة والإعجاب الشيء الذي يصعبه فهمه ويقف أمامه خبراء من مشارب علمية مختلفة حيارى،  تكاد أن تكون  تحليلاتهم وتعليقاتكم أقرب إلى الوصف المباشر للظاهرة فقط، عوض بحث الأسباب الكامنة وتجهيز الحلول العاجلة، هنا لابد من طرح بعض الأسئلة الملحة:

- لماذا تحقق هذه الفيديوهات نسب مشاهدة عالية؟ هل تقتصر المشاهدة والمتابعة على فئة عمرية محددة أو جنس بعينه؟  وإذا كان أغلب الناس يشاهدون هذه المواد؟ من ينتقدها إذن؟

إلى أي مدى، المتصفح المغربي (l’internaute marocain) والعربي يعيش حالة  سكيزوفرينيا اتجاه التفاهة عموما والإباحيات خصوصا؟ يقبل عليها وينتقدها في نفس الوقت. 

    قد يتفهم المرء أحيانا نزوع متصفحي الشبكات العنكبوتية إلى مشاهدة المواقع الإباحية من منطلق الرغبة الداخلية الكامنة التي تجدب المتصفح جدبا إليها، كما أن الإنسان عموما يحب مشاهدة كل ما هو غير عادي ومستجد أو يعتبر من الطابوهات (les tabous) ومن وجهة نظر محايدة، المشاهدة  قد تقبل من منطلق الإغراء والرغبة الجنسية والتي هي من طبيعة البشر، ما  يصعب فهمه إضافة إلى المشاهدة هو تفعيل خاصيتي الإعجاب والمشاركة والتي تجعل من المواد الإباحية تتصدر المواد الأكثر مشاهدة على النيت، وكنتيجة لكل ذلك أضحت التفاهة والتافهون في مراتب علية القوم، المكان الذي لا يستحقونه بتاتا. 

   يعرف معجم المعاني الجامع التفاهة، بكونها نقص في الأصالة أو الإبداع أو القيمة كما يصفها بالحقارة والدناءة وبعديمة الأهمية والسطحية، ضآلة المعلومات وقلة العمق.
ومن مرادفات التفاهة: الجهل والحمق والطيش، الغباوة والنزق ، ومن أضدادها التعقل والحلم والرزانة والوقار. 
    
    يبدو أن بعض هذه الصفات تكفي لكل عاقل بأن يموقع (بضم الياء) نفسه ويحسن وضعها في مكانها المناسب: مع التافهين في مركبهم أو في الخانة المقابلة مع العقلاء الأقلية، مرة أخرى يتطلب الموضوع المزيد من الأسئلة  الملحة: هل يشعر التافه بتأنيب الضمير؟ قبل ذلك، هل يعرف نفسه، كونه تافها؟ وإذا كان يعرف ويتخذ التفاهة عملا ومهنة  هل يستحق الملامة؟  
    
     قد يكون التافه حرا في ما يراه مناسبا له  ومن ثم يعمل ما يشاء دون لومة لائم، من المنطلق العام للحريات الفردية والجماعية لكن بدون أدنى شك سيكون هناك ضحايا نتيجة سطحيته الفاضحة على الأقل، مرة أخرى ملحاحية السؤال : 
من هم ضحايا التفاهة والتافهون وما هي البيئة الأكثر خصوبة لنموهم وتكاثرهم؟ 
      
    يكون التافه أكثر تفاهة إذا وجد بيئة تحضن التفاهة وتنميها وتعمل على تسيدها للمشهد ،ربما لدوافع سياسية أو دينية أو إقتصادية أساسا إذا علمنا أن الإقتصاد يسخر أقدر الوسائل لتحقيق النجاح المادي قبل المعنوي، كما أن التافه من شدة حبه للأضواء والشهرة السريعة التي تحققها هذه الوسائط، يندمج داخل الشخصية التي يجسدها ويصير بطلا من ورق تتقاذفه رياح الطلب من الجمهور التافه بدوره على مواد وإنتاجات غارقة حتى الأذنين في الإنحطاط والسطحية.
      
    لطالما اعتبر العقل،  خصوصا  الجمعي بأنه جبل على الكسل والخنوع  والتسلية الرخيصة المجانية من دون أي جهد فكري،ثم تقبل الجاهز والحاضر  والنفور كل النفور  مما يستدعي النقد والتشكيك مما يمهد لتكوين جيل من التافهين المعاتيه،  كما لا يسلم كل من نال حظ من التعليم أو يحمل شهادة من مغبة الوقوع في السطحية والإنحطاط والتطبيع مع التفاهة ولا خير مثال حجم الردود والتعليقات داخل الفضاء الأزرق عند تداول أو إبداء رأي أو مشاركة مواد  تخص واحد من ثلاثة الثالوث المحرم بتعبير ياسين بوعلي.
      
    مما لاشك فيه أن الجمهور الناشئ هو الأكثر تعرضا لمخاطر وأضرار التفاهة نضرا لعامل السن  ، نفس الشيء بالنسبة لفئة عريضة حرمت من التعليم أو تلقت تعليما تقليديا من المناهج والطرائق التعليمية المبنية على الحفظ والتكرار، وضع فيه العقل النقدي جانبا حال المجتمع العربي الجامد وإلمتزمت – الشرقي على وجه الخصوص –  الذي يعتبرالسوق الأول لترويج التفاهة والإباحية.
    هل يقبل العقل أن تكون البلاد الأكثر تدينا من حيث المظهر داخل الفضاءات العامة أكثرها مشاهدة ورواجا للمواقع الإباحية ؟

    هذا من ناحية الفرد الذي يبقى حرا في ما يشاهد ويتابع وينتج ، أما على سبيل الجماعة، الأضرار أكثر خطورة والسمة أصبحت بادية على الجسد الجمعي العليل ،غابت القدوة وطمس الرمز، أما بناء الحضارة فعلى شفا حفرة ، وفي ظل زمن كورونا - زمن حاجة العباد والبلاد إلى العقلاء-  بات واضحا عددهم القليل وعطاؤهم الكثير حتى بتنا نحلم بنهضة بعد كورونا لما ظهر من طاقات إبداعية وإبتكارية، والحمد لله، على الأقل تخلصنا أو قللنا من حجم  الشقاء الذي كان يسببه التافهون .وحتى إن كانت كورونا أمر دبر بليل من سادة قريش الحاليون - إمبراطوريات الدواء- على لسان أبا جهل حسن الجندي في فلم الرسالة، على الأقل نحن أمام فرصة إستنهاض الهمم وإعادة موقعة كل في مكانه الصحيح ، كما ليس هناك قوة خارقة للتخلص من التفاهة والتافهون في الوقت الراهن، ولكن على الأقل تعطيلهم قدر الإمكان ودفعهم خطوات إلى الوراء. 

                                                                                            ذ. نموس محسن
pub-3714699381183573
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات